اخبار فنيةسوشيال ميديامشاهير العرب
أخر الأخبار

ريا سكينه اشهر سفاحتين في القرن العشرين وقصتهم الأسطورية

نجمك تفتح ملف السفاحتين وتعرض صور لأول مره

تقرير – فايزة النهري – القاهرة

في ذاكرة الجريمة العربية، تلمع أسماء كثيرة، لكن قلة منها استطاعت أن تحفر حضورها في وجدان الشعوب مثلما فعلت ريا وسكينة. لم تكونا مجرد سفاحتين ارتكبتا سلسلة من الجرائم الوحشية، بل أصبحتا رمزًا للشرّ الغامض، وموضوعًا دائمًا للتساؤل عن حدود الفقر والجنون والجريمة.

في مطلع القرن العشرين، وبين أزقة حي اللبان في الإسكندرية، تأسست أول عصابة نسائية في التاريخ المصري الحديث، تقودها امرأتان، وتُدار بدمٍ بارد، وتستهدف النساء فقط. كانت جرائم ريا وسكينة تتجاوز فكرة القتل، لتصل إلى تشويه المعنى الكامل للثقة، والونس، والصداقة.

قصة ريا وسكينة ليست مجرد فصلٍ مظلم من التاريخ الإجرامي، بل مرآة تكشف عمق الانهيار الاجتماعي والسياسي في ظل الاحتلال البريطاني، والظروف القاسية التي حوّلت الفقر إلى وحش، والإنسان إلى أداة قتل.

اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على القضية، ما زالت أسماؤهما تتردد في الأعمال الفنية، والمقالات الصحفية، والبرامج الوثائقية، كأيقونة للجريمة المنظمة، وأحد أبرز ملفات القرن الماضي التي جمعت بين الغموض، والرعب، والتحليل الاجتماعي.

مولد ريا وسكينة البداية من قلب الصعيد

في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1875، وُلدت ريا علي همّام في إحدى القرى الصغيرة التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر، في زمنٍ كانت فيه البلاد تعيش تحت ظلال الفقر والجهل، والاحتلال البريطاني الذي خنق أحلام الناس بالحرية والكرامة. جاءت ريا إلى الدنيا في بيتٍ بسيط، لأسرة فقيرة تُعاني من شظف العيش، وكان الأب كثير التنقل، يعمل بالأجرة في الأراضي الزراعية، ويحمل همّ أسرته على كتفيه دون أن يملك وسيلة لتغيير مصيرها.

وبعد عشر سنوات، وُلدت شقيقتها سكينة علي همّام، في نفس القرية، لكنها كانت على النقيض من أختها الكبرى أكثر جرأة، وأقسى في الطباع، وأشد رغبة في التمرد على الواقع القاسي الذي يفرضه الفقر والنظام الطبقي في ذلك الزمان.

نشأت الطفلتان وسط بيئة مليئة بالصراعات، بين الجوع من جهة، والخوف من الغد من جهة أخرى. لم تعرفا مقاعد الدراسة، ولا طمأنينة الطفولة، بل كانتا منذ الصغر تشاركان والدتهما في الأعمال اليدوية، ويتنقلن بين البيوت كعاملات نظافة أو بائعات متجولات. وشيئًا فشيئًا، بدأت ملامح القسوة تتشكل في ملامح الطفولة، وتحولت الحياة إلى ساحة صراع مستمر من أجل البقاء.

ولأن القرى في ذلك الوقت لم تكن رحيمة بالنساء الفقيرات، اتخذت العائلة قرارًا بالانتقال شمالًا، إلى المدن الكبرى حيث يُعتقد أن “الرزق أوسع”، وكانت وجهتهم التالية هي كفر الزيات، ثم في مرحلة لاحقة: مدينة الإسكندرية، التي ستصبح فيما بعد مسرحًا لواحدة من أبشع القصص في تاريخ الجريمة.

من كفر الزيات إلى الإسكندرية: الترحال في دروب الفقر

بعد سنوات من التنقل بين القرى، استقرت عائلة ريا وسكينة لبعض الوقت في كفر الزيات، لكنها لم تكن سوى محطة مؤقتة، كغيرها من المحطات التي لم تحمل للفتاتين سوى مزيد من الشقاء. ضاق الحال، واشتدت الحاجة، فقرر الوالد أن يُغامر بالانتقال إلى الإسكندرية، المدينة الساحلية التي كانت يومًا ما تُلقّب بـ”عروس البحر”، لكنها في واقع الحال كانت حينها مدينة ممزقة بين رقي الميناء وبؤس الأزقة.

في الإسكندرية، وتحديدًا في الأحياء الشعبية مثل كرموز واللبان، بدأت ريا وسكينة فصلًا جديدًا من حياتهما. الفقر هناك لم يكن أقل قسوة، لكن المدينة كانت أكثر انفتاحًا، وأكثر ازدحامًا، ومليئة بالغرباء، من جنود الاحتلال البريطاني، إلى الباعة والمهاجرين.

بدأت ريا تعمل في مهن بسيطة: تنظيف، بيع خضروات، ثم بمرور الوقت اتجهت لبيع الخمور المحلية بشكل غير قانوني. في أحد الأحياء، التقت بـحسب الله سعيد مرعي، عامل في تفريغ الفحم بالميناء، وكان مدمنًا للكحول وعنيف الطباع. رغم ذلك، تزوجته، لأن الأمان كان نادرًا، وكان الرجل يُمثل للنساء الفقيرات حائطًا ضد الشارع.

أما سكينة، فكانت أكثر تحررًا في اختياراتها. تنقّلت بين عدة علاقات، وتزوجت أخيرًا من عبد العال محمد، وكان قد خدم في الشرطة، لكنه فُصل بعد سلوك غير منضبط. كلا الزوجين كانا جزءًا من عالم الهامش، لا يحملان قيمًا ولا يخافان قانونًا.

وهنا، بدأ الخط الفاصل بين الحاجة والضياع يتلاشى. لم يعد الكفاح من أجل لقمة العيش هو المحرك الوحيد، بل ظهرت رغبة في السيطرة، وامتلاك المال بأي ثمن.

بوادر التكوين الإجرامي البيت المزدوج الوجه

في عام 1919، وبينما كانت مصر تغلي بثورة ضد الاحتلال، كانت ريا وسكينة تخوضان ثورتهما الخاصة – ثورة على الفقر، لكن بطريقتها الخاصة.

استأجرت ريا بيتًا في شارع ما بين الصورين بحي اللبان، وهناك بدأت تمارس نشاطًا غير مشروع في بيع المسكرات، واستضافة الجنود وعاهرات الحي. كانت الإسكندرية وقتها ملاذًا للفارين، وملجأ للفوضى، ولا أحد يسأل عن أحد.

وفي هذا البيت تحديدًا، بدأت الخيوط الأولى لعصابة الموت. كانت النساء يترددن على ريا وسكينة كثيرًا، بحكم العلاقة والبيئة المشتركة. بعضهن كنّ يختفين فجأة، دون أن يثير الأمر شكوكًا في البداية. المجتمع كان لا يهتم بمن تُسمّى “مستهلكة”، أي المرأة التي لا يطالب بها أحد، ولا يبحث عنها أحد.

ومع الوقت، ومع الجشع الذي نبت في قلوبهم، بدأ التوجه من الكسب غير المشروع إلى القتل الممنهج. الذهب، والخلخال، والأساور التي تلبسها النساء، أصبحت هي الغاية.
والوسيلة: الخنق… ثم الدفن… تحت الأرضية… داخل البيت.

في الإسكندرية، سكنت ريا في حي اللبان، وكانت تعمل في بيع الخمور غير المرخصة، ثم دخلت عالم تسهيل الدعارة مقابل أجر بسيط. تزوجت من حسب الله سعيد مرعي، الذي كان يعمل حمّالًا. أما سكينة فتزوجت من عبد العال محمد، شرطي سابق تم طرده بسبب سوء سلوكه. الزوجان كانا شريكين في الإجرام ولم يُعارضا عمل الزوجتين في الدعارة وتسهيلها.

لم يكن هناك نية للقتل في البداية، بل كان مصدر الدخل هو بيع الخمور وتسهيل العلاقات غير الشرعية، وكان الجنود البريطانيون زبائن دائمين.


الفصل الثالث: نقطة التحول – “القتيلة الأولى”

في عام 1919، سُجل أول اختفاء لامرأة تُدعى زينب حسن، عمرها حوالي 40 سنة، وكانت تعمل في بيع الكلوروفورم في السوق السوداء وتربطها علاقة بسكينة. هذه المرأة دخلت منزل ريا وسكينة ولم تخرج بعدها. لم تُثر الحادثة أي شك لأن الشرطة في تلك الفترة كانت مشغولة بثورة 1919، وبلاغات اختفاء النساء الفقيرات لم تكن ذات أولوية.

توالت بعدها حالات اختفاء نساء، ومعظمهن من الفقيرات العاملات أو بائعات الهوى، وكل مرة تكون ريا أو سكينة آخر من شوهدت مع الضحية.

القتيلة الثانية “فاطمة اليوسفي” – الضحية التي قتلتها الثقة

بعد أيام من مقتل “زينب حسن” – أولى ضحايا العصابة – بدأت ريا وسكينة تستشعران أن العملية ممكن تكرر، وأن الربح السريع من سرقة الذهب والخلخال أسهل من أي شغل آخر.
البيت كان لا يزال صالحًا للاستخدام، والجثة الأولى لم تُكتشف، والشرطة مشغولة بثورة 1919 وآثارها، ما أعطى العصابة شعورًا بالأمان.

في هذه الأجواء، ظهرت امرأة تُدعى فاطمة اليوسفي، وكانت من معارف سكينة. امرأة في الثلاثينات من عمرها، بسيطة الحال، معروفة بين النساء بأنها تحتفظ بذهبها معها، وترتدي دائمًا سوارين ثقيلين في يديها، وقرطين من الذهب، وهو ما جعلها هدفًا سهلًا في نظر العصابة.

الاستدراج: بيد من كانت تعرفهم

في صباح أحد الأيام، ذهبت فاطمة إلى سوق “زنقة الستات”، ثم مرت على منزل سكينة التي استقبلتها بحرارة.
تظاهرت سكينة بأنها تودّ الحديث معها على انفراد، وأقنعتها بالدخول إلى البيت. في الداخل، كانت ريا تنتظر، مع حسب الله وعبد العال، مختبئين خلف الستار كما فعلوا مع زينب.

جلسوا جميعًا لبعض الوقت، وقدّمت لها سكينة كأسًا من العرق البلدي، وبدأ الحديث يأخذ طابع الطمأنينة.
ثم، في لحظة مدروسة، أعطت ريا الإشارة، فاندفع حسب الله من الخلف، ولفّ شالًا قطنيًا حول رقبتها، بينما ضغط عبد العال على جسدها، وكانت سكينة تثبّت ساقيها.
لم تستغرق العملية سوى دقائق، وفاطمة – التي كانت تضحك قبل لحظة – أصبحت جثة هامدة.

الغنيمة والدفن

سُرق من فاطمة:

  • سواران ذهبيان

  • قرطان

  • خاتم

  • نقود ورقية معدودة

ثم حفرت سكينة مكانًا جديدًا في نفس الغرفة، أسفل السرير، وتم دفن الجثة وطمس آثارها، وأعيد ترتيب البلاط فوقها.

الذهب تم بيعه في سوق “زنقة الستات”، حيث كانت هناك امرأة تُدعى “أم إبراهيم” متخصصة في شراء الذهب المستعمل دون سؤال.

النتيجة

لم يُبلّغ أحد عن فاطمة، لأنها كانت تعيش وحدها، وليس لها أهل معروفين في الإسكندرية. تم اعتبارها “من المختفيات”، وهي الصفة التي كانت كفيلة في تلك الأيام بطيّ قضايا الفقراء دون تحقيق.
وهكذا، كانت فاطمة هي الضحية الثانية رسميًا، لكنها مثلت بداية التحول من جريمة بدافع واحد، إلى سلسلة من القتل المنهجي المدفوع بالجشع.

القتيلة الثالثة “نبوية بنت جمعة” – الصديقة التي خانتها العِشرة

كانت نبوية بنت جمعة واحدة من النساء اللاتي عُرفن في حي اللبان، واعتُبرت من الصديقات المقرّبات لسكينة. في العلن، كانت العلاقة بينهما ودّية، وغالبًا ما كانت نبوية تساعد سكينة في الأعمال المنزلية أو في ترتيب جلسات اللهو التي كانت تنظمها ريا وسكينة لاستضافة بعض الجنود أو الرجال الباحثين عن المتعة.

لكن نبوية، وعلى خلاف الضحايا السابقات، لم تكن غريبة تمامًا عن تفاصيل بيت ريا وسكينة. كانت ترتاد البيت كثيرًا، وكانت تعرف بعض رجال العصابة، وكان لديها من الثقة ما يكفي لتجلس مطمئنة وسطهم.

لماذا نبوية؟

بحسب اعترافات ريا لاحقًا، فإن نبوية كانت ترتدي عدة غوايش ذهب، وكانت في أحد الأيام قد باعت قطعة ذهبية واستلمت ثمنها نقدًا. المبلغ لم يكن كبيرًا، لكنه كان كافيًا لإثارة شهية العصابة.

سكينة أخبرت ريا بأن نبوية “مضروبة على يدها ذهب”، وأنها ما راح تلاحظ إنهم ناوين على شي، لأنها “تدخل وتطلع زي البيت بيتها”.

في اليوم المشؤوم، دعتها سكينة إلى تناول فطور خفيف معها في البيت. رحّبت نبوية بالدعوة، وجلست تضحك وتمزح وهي لا تدري أنها كانت الضحّية التي وُضعت في فخّ محكم.

لحظة القتل

وفق محضر التحقيق، كان السيناريو كالتالي:

  1. جلست نبوية على الأرض بالقرب من الموقد.

  2. دخل حسب الله من خلف الستار، ولفّ شالًا حول رقبتها.

  3. أطبق عبد العال على جسدها، بينما أمسكت سكينة برجليها.

  4. ريا كالعادة، كانت تراقب وتعطي الأوامر.

ماتت نبوية خنقًا، في اللحظة التي كانت تظن أن اليوم عادي كسائر الأيام. لم تصرخ. لم تُمنح فرصة للنجاة.

ما الذي سُرق؟

  • أربع غوايش ذهبية

  • قرط ذهبي

  • مبلغ نقدي صغير

دفنت جثتها تحت الأرض في نفس المنزل، لكن في زاوية مختلفة عن دفن الجثتين السابقتين.


ردة الفعل بعد اختفائها

نبوية كانت تعيش وحدها، لكنها كانت معروفة في الحي، واختفاؤها أثار بعض التساؤلات. سأل عنها أحد معارفها، لكن ريا ردت بأنها “سافرت مع واحد عايز يتجوزها”.
ولأن النساء في تلك البيئة كنّ يُعاملن كأرقام غير مسجلة، لم يُسجل بلاغ رسمي، وظلت نبوية “في عِداد الغائبات”.


ملحوظة توثيقية مهمة

نبوية بنت جمعة، بحسب ما ورد في ملف القضية، هي أول ضحية تثير ريبة بسيطة في محيطها الاجتماعي، لكنها لم تكن كافية لفتح التحقيق.
وقد سُجلت شهادات لاحقة من بعض نساء الحي بأنهن شعرن أن شيئًا ما مريبًا يحدث، لكن لا أحد تجرأ على الحديث.

نساء ريا  وسكينه

القتيلة الرابعة “عزيزة يوسف” – الضحية التي داست على لغم الصداقة

كانت عزيزة يوسف واحدة من النساء اللاتي يعملن في بيع المسكرات البلدية “عرق بلدي”، وكانت تمارس نشاطها في منطقة سوق اللبن بالإسكندرية. فتاة ثلاثينية، ذات صوت عالٍ، وشخصية قوية، اعتادت على دخول وخروج الأوكار التي تديرها نساء مثل ريا وسكينة دون أن تهاب شيئًا.

في زمن كانت فيه الحياة اليومية تدور حول تدبير “قرشين للعيش”، كان المال عند عزيزة لا يثبت، لكنها دائمًا ما تحتفظ بشيء من الذهب، عادة قرطين وخاتم وسوار خفيف.

عرفت سكينة أن عزيزة باعت مؤخرًا كمية من العرق، وأن معها مبلغًا نقديًا بالإضافة لحُليها، فأبلغت ريا التي قررت أن تكون عزيزة التالية.


الاستدراج: خدعة الكلمة الطيبة

في صباح أحد الأيام، وبعد أن خرجت عزيزة من السوق، مرّت على منزل سكينة. الأخيرة استقبلتها بكلمة:
“تعالي افطري معانا يا بنت الناس، الجو برد والمعدة فاضية”.

ضحكت عزيزة، ودخلت. جلست على حصيرة الغرفة، وأمامها صينية فطور بلدي.

ريا كانت تُرتّب في الخلف، وحسب الله وعبد العال كانا داخل الغرفة الثانية، يتأهبان. الخطة باتت روتينية عندهم: لا صوت، لا مقاومة، لا وقت.


لحظة التنفيذ

بعد دقائق من الجلوس، اقتربت ريا من حسب الله وأشارت برأسها.
تحرك بسرعة من خلف الستار، والتف خلف عزيزة، ولف الطرحة حول رقبتها.
عبد العال ركع على جسدها من الأمام، ورغم أن عزيزة قاومت قليلًا، إلا أن ريا أمسكت رأسها، وسكينة أمسكت ساقيها.

في خلال دقيقتين، كانت الجثة هامدة.


ما تمت سرقته من عزيزة

  • قرطان من الذهب

  • خاتم

  • مبلغ مالي كان في طيّ ملابسها

ثم نُقلت الجثة إلى زاوية جديدة من نفس المنزل، وحُفرت حفرة بطول 60 سم تقريبًا، ووُضعت الجثة وغطّيت بالأرض والبلاط كما اعتادوا.


ماذا حدث بعد اختفائها؟

عزيزة لم تكن معروفة في محيطها العائلي، لكن غيابها أثار ريبة بعض الزبائن الذين كانوا يتعاملون معها.
شخص يُدعى “فهمي”، أحد زبائنها المنتظمين، قال لاحقًا في التحقيق أنه سأل عنها، فقيل له إنها “ركبت مع عسكري وسافرت رشيد”.

انتهى الأمر. لم يُفتح بلاغ.
عزيزة، كما غيرها من نساء ذلك الزمن، اختفت دون أن يُهتم لأمرها.

 

تحليل السياق

كانت جريمة قتل عزيزة تُشكّل تطورًا في عقلية العصابة.
فهي:

  • لم تكن ضعيفة تمامًا.

  • لها علاقات أوسع.

  • واجهت بعض المقاومة.

لكن مع ذلك، لم يمنعهم شيء. بل زادهم هذا ثقة في استكمال الطريق، والتخلص من أي امرأة تُمثل “فرصة ذهبية” في نظرهم.

الضحية الخامسة “فاطمة عرابي” – المرأة التي قتلتها الألفة

اسمها الكامل: فاطمة بنت محمد عرابي، وكانت امرأة في أوائل الأربعينات من عمرها، تعمل كبائعة بسيطة بين البيوت، وفي بعض الأحيان تشارك في جلسات اللهو كـ”مُسهِّلة” تبيع الخمر أو ترتب المكان للزبائن. كانت معروفة في حي اللبان، وتربطها علاقة مباشرة بـريا، بل وكانت تُعد واحدة من الدوائر القريبة منها.

الذي ميز فاطمة عن غيرها من الضحايا هو أنها لم تكن ضحية صدفة، بل كانت تزور ريا بشكل دائم، وبينهما خبز وملح. هذه الألفة تحديدًا، جعلت التخلص منها سهلاً… وصامتًا.


الدافع

في أحد الأيام، لاحظت ريا أن فاطمة ترتدي ثلاث غوايش ذهبية، إضافة إلى قرط ذهبي سميك. وبحسب ما ورد في أقوال ريا لاحقًا أمام النيابة، فإنها قالت:

“هي دي حظها، وجا وقتها، ومفيش حد هيسأل عنها.”

سكينة وافقتها، وتم الترتيب لاستدراج فاطمة في الليلة التالية.
الرجال كانوا مستعدين، والبيت تم إخلاؤه من أي زبائن.


تفاصيل الجريمة

دخلت فاطمة البيت حوالي الساعة الثامنة مساءً، وجلست على طاولة صغيرة عليها أقداح عرق بلدي.
كانت تضحك مع ريا وسكينة، تتحدث عن أخبار السوق وعن امرأة ضربها زوجها، ولم تكن تدري أنها تشرب كأسها الأخير.

كالعادة:

  • دخل حسب الله من خلفها، ولف الشال حول عنقها.

  • ثبت عبد العال جسدها.

  • ريا أمسكت رأسها.

  • سكينة أمسكت ساقيها.

لكن ما لم يكن بالحسبان، أن فاطمة صرخت بصوت مرتفع لحظة الخنق، جعلت أحد الجيران يطرق الباب، فتظاهرت سكينة أن البيت خالٍ، وصرخت:

“حرااااامي!”
فانصرف الجار وهو يعتقد أنها مجرد مشاجرة داخلية.

تُوفيت فاطمة بعد 3 دقائق من الخنق، وتم دفنها بجانب الضحية الثالثة، مع الحرص هذه المرة على ردم الحفرة جيدًا ووضع فحم فوقها لإخفاء الرائحة.


ما تمت سرقته

  • ثلاث غوايش من الذهب

  • قرطان

  • خمسة جنيهات نقدية (مبلغ كبير نسبيًا وقتها)

الذهب تم تصريفه خلال يومين عند أحد الصاغة الذي لم يكن يسأل كثيرًا عن المصدر، خاصة حين تأتي به سكينة.


ردود الفعل

فاطمة كانت معروفة في السوق، لكن لأنها تعيش وحدها، ولم يكن لها زوج أو أبناء، اختفاؤها لم يُثير سوى همسات بسيطة.
قالت ريا لاحقًا في التحقيق:

هذه الجريمة بالتحديد كانت نقطة مفصلية، لأن العصابة بدأت تشعر بأنها محصنة تمامًا، وأن القتل صار أمرًا يوميًا يمكن التعامل معه كروتين.


خاتمة هذه المرحلة

بمقتل فاطمة عرابي، ارتفعت حصيلة القتلى إلى خمس نساء، وجميعهن قُتلن في نفس النمط:

  • الاستدراج

  • الخنق

  • السرقة

  • الدفن

لكن مع كل جثة كانت تُدفن، كانت رائحة الجريمة تتصاعد أكثر، وتقترب من أن تفضح المستور.

خاتمة الدم: حين نطقت الأرض… وسكت القاتلون .

بمقتل فردوس، بدا أن العصابة بلغت ذروتها.
لم يعد هناك تردّد، ولا خوف، ولا حتى تفكير. القتل أصبح روتينًا. الحفر صار عادة.
كل امرأة ترتدي ذهبًا تُرى كأنها فرصة لا تُفوت.
لكن ما لم تحسب له ريا وسكينة هو أن رائحة الجريمة لا تُدفن مهما أُحكمت الحفر.

بدأ الجيران يشتكون من روائح كريهة في البيت الذي تسكنه سكينة.
وكانت البداية مع بلاغ من امرأة تُدعى زينب الشعراوي – صاحبة البيت – إلى مركز شرطة اللبان، تشتكي من أن المستأجرة “سكينة” تثير الشبهات.
جاء رجال الشرطة، وبدأوا الحفر…

ومع أول ضربة فأس
خرجت جمجمة امرأة.
ومعها خرج تاريخ من القتل، والخذلان، والخيانة.

تم استدعاء ريا، وسكينة، وأزواجهما، وشركائهما.
انهار حسب الله أولًا، ثم تلاه عبد العال، ثم اعترفت ريا بتفاصيل تقشعر لها الأبدان.
أما سكينة، فكانت الأكثر ثباتًا، لكنها لم تستطع إنكار ما وُجد تحت البلاط.


ريا وسكينة: من ستات الحارة… إلى حبل المشنقة

في محكمة الجنايات عام 1921، وقف الجميع في قفص الاتهام.
وصدرت الأحكام بالإعدام على كل من:

  • ريا علي همام

  • سكينة علي همام

  • حسب الله سعيد مرعي

  • عبد العال محمد

  • عرابي حسان

  • عبد الرازق يوسف

وفي 21 ديسمبر 1921، تم تنفيذ حكم الإعدام في سجن الحضرة بالإسكندرية، لتكون ريا وسكينة أول امرأتين يتم إعدامهما في تاريخ مصر الحديث.


إرث الجريمة

قصة ريا وسكينة ما زالت تُروى…
ليست فقط لأنها غريبة، بل لأنها مرآة لمجتمع خذل نساءه، فحوّلهن إلى قاتلات.
وحتى اليوم، لا يُذكر اسمهما إلا ويُقال:

“ليه وصلوا لكذا؟”
“وش اللي خلّى ست تقتل ست؟”

وما بين السؤال والدم، تبقى القصة حية، تذكرنا بأن الجريمة لا تولد وحدها… بل تُربّى أحيانًا في حضن الفقر، والخذلان، والقهر.

 

من كتاب رجالات ريا وسكينه للأستاذ صلاح عيسى 

https://top4top.me/UURIKS0hL6kud3P/preview

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى