اخبار فنيةسوشيال ميديامشاهير العرب
أخر الأخبار
التايتانيك.. كيف قادت مهمة تجسس سرية إلى أعظم اكتشاف في أعماق البحر؟
اكتشافات – نجمك
في فجر يوم الخامس عشر من أبريل عام 1912، اختفت سفينة “آر إم إس تايتانيك”، رمز العصر الذهبي للسفر البحري، تحت أمواج المحيط الأطلسي المتجمدة، تاركة خلفها مأساة إنسانية هزت ضمير العالم. وعلى مدى أكثر من سبعين عامًا، بقيت التايتانيك غارقة في الغموض، ومكانها لغزًا يثير الشغف والأسئلة. أين اختفت بالضبط؟ ولماذا لم يتم العثور عليها رغم تقدم التكنولوجيا؟ أسئلة بقيت بلا إجابة حتى جاء عام 1985، حين تكشفت القصة الحقيقية التي لم يكن أحد ليتوقعها: العثور على التايتانيك كان نتيجة لمهمة تجسس عسكرية أمريكية سرية بامتياز.
كان العالم الأمريكي الدكتور روبرت بالارد، الباحث الجريء في معهد وودز هول لعلوم المحيطات، يحلم منذ طفولته باكتشاف التايتانيك. ولكن في عالم الواقع، الأحلام الكبيرة تحتاج إلى تمويل ضخم لا توفره المؤسسات العلمية بسهولة. وهنا دخلت البحرية الأمريكية على الخط، وسط أجواء الحرب الباردة الملتهبة. عرضت البحرية على بالارد صفقة سرية: سنمول لك البحث عن التايتانيك، لكن بشرط أن تستخدم المعدات والبعثة أولًا في مهمة حساسة للغاية: البحث عن حطام غواصتين نوويتين غرقتا في ظروف غامضة — الغواصة “ثريشر” والغواصة “سكوربيون”.
لم يكن بإمكان بالارد رفض العرض. بدأ مهمته بالبحث عن الغواصتين أولًا. باستخدام تكنولوجيا متطورة آنذاك، أطلق بالارد الغواصة الروبوتية “آرغو”، المزودة بكاميرات متقدمة قادرة على التقاط صور واضحة من قاع المحيط المظلم. بعد أسابيع من العمل المضني في أعماق البحر، تمكن الفريق من إنجاز المهمة السرية بنجاح، والتقط صورًا تفصيلية لحطام الغواصتين.
بانتهاء الجزء السري من المهمة، مُنح بالارد الإذن بالبدء رسميًا في حلمه الشخصي: العثور على التايتانيك. لكنه كان يعرف أن الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في محيط. ومع ذلك، كانت لديه فكرة عبقرية: بدلاً من البحث عن السفينة مباشرة، سيركز على تتبع أثر الحطام الذي كان يجب أن يكون قد تناثر أثناء غرق السفينة.
وبالفعل، في الساعات الأولى من صباح يوم الأول من سبتمبر عام 1985، وبينما كان الفريق يراقب صور القاع على شاشات المراقبة، ظهرت أمامهم مشاهد لم تحتمل الخطأ: مراوح معدنية عملاقة، أجزاء من بدن السفينة، ومراسي هائلة الحجم. التايتانيك، أسطورة القرن العشرين، قد ظهرت أخيرًا من قلب ظلمات المحيط.
لم يكن الحطام قطعة واحدة كما تصورت الروايات، بل كانت التايتانيك قد انشطرت إلى نصفين أثناء غرقها. كان القسم الأمامي للسفينة غارقًا في قاع المحيط بوقار جنائزي، بينما تناثر الحطام حوله على امتداد مئات الأمتار. وكان المشهد صادمًا ومهيبًا: الأثاث محطم، الأطباق الصينية مرصوصة وكأنها تنتظر عشاءً لم يحدث أبدًا، النوافذ محطمة، لكن المهابة لا تزال تحيط بكل تفصيلة.
في تلك اللحظة لم يعلُ أي صوت في غرفة العمليات. لم يحتفل أحد، لم يصرخ أحد. كانوا يعرفون أنهم أمام مقبرة تاريخية، أمام بقايا حلم تحطم تحت قسوة الجليد والبحر.
لم تُكشف تفاصيل الجانب العسكري من القصة إلا بعد سنوات، حين اعترف بالارد أن بحثه عن التايتانيك لم يكن هدف المهمة الحقيقي منذ البداية، بل جاء مكافأة له على أداء مهمة استخباراتية لصالح البحرية الأمريكية.