مقالات مهمة
اخبار فنية

خالد عبدالرحمن .. لا تقلق فإن الحب لا يشيخ

بقلم محمد جراح

الفنان خالد عبد الرحمن نجم لابد أن تستحضره الذاكرة عند الحديث عن الأغنية السعودية في مرحلة التسعينات وما بعدها، هو البدوي الأخير في الوسط الفني ورغم أن ثوبه لم يكن يوماً من على المتن مشقوق، ولكنه يتأبط بندقيته ويأكل من صيده، يعيش حياة الرّحل ويهيجن إن لزم الأمر، وإذا هدأت أنفاس المكان وأرخى الليل عتمته، أوقد ناره – وإن تطلب أن يوقدها بورق من النوتة الموسيقية لفعل-، حتى يحتسي قهوته على ضوئها.

يغيب أياماً طوالا يجوب الصحاري القاسية التي رسمت تضاريسها على سحنته، حتى خيل لنا بأنه في رحلة هروب عميقة، تاركاً وراء ظهره صخباً ليس لنهايته مدى. كل ذلك يمنحنا الشروع في بحث إجابات لتساؤلاتنا لماذا يتوارى عنا؟ ومن أعطاه حق الهروب؟ هل هو يعاقب حبيبته التي كتب لها أكثر من (100) أغنية خالدة في مسيرته؟ أم يمنحنا الفرصة لنفتش عنه تاركاً لنا عناوينه في روائعه؟.

من دلعك إحدى روائعه الفنيه الخالده

خالد (الخمسيني) الذي أسفر عن شيب رأسه حاسراً وكأن هذا الأبيض قد زاره فجأة أو كان حبيساً قرر إطلاق سراحه، بطبيعة الحال وإن كان هو  ليس خالد منتصف العشرينات أو الثلاثينات من عمره تلك الفترة الذهبية في مسيرته التي كان ملهماً فيها لجيل كامل تأثر وتابع أدق تفاصيله فإنه لن يشيخ في قلوب محبيه، وحتى لو سلمنا سلفاً بأنه صاحب أخطر اعتراف فني مر على الوسط عندما يصرح في أكثر من مقام بأنه لا يعطي الفن سوى (15%) من حياته!.

قبل بضعة سنوات وتحديداً في (2008) ظهر الفنان خالد عبدالرحمن في برنامج “العرّاب” على قناة “إم بي سي”، وكشف بأن وراء دخوله للوسط الفني “صدمة عاطفية”، وبين أن الصدمة قد “تعزل صاحبها” أو “تجعله يعيش بين الناس دون أن يشعرون بصدمته” أو تدفعه لأن “ينفجر بالكتابة”، هذه الحالات النفسية الثلاث قد عاشها فناناً وشاعراً وملحناً وقبل كل ذلك إنساناً، ومن وراء الستار يشكر محبوه تلك الحبيبة التي كسرت قلبه وصيرت نزفه عزفاً ، أخرجت خالداً عن صمته وصقلته فنياً لدرجة أن مع دخوله للوسط لم ينتظر سنوات للبروز كغيره، بل من أول ألبوم له “صارحيني” استطاع أن يحدث ربكة في الوسط الذي كان يشهد صراعات أبطالها آخرون، والحقيقة التي لا ينكرها أحد أنه وُلد كبيراً وبقي كذلك.

“صدمته العاطفية” تلك كان أثرها واضحاً على أول البوم له حينما قدم 3 أغنيات من كلماته وكأنه يوجه رسالة رجاء وتوسل بـ “خذ ما تبي.. بس اترك القلب يرتاح”، وبعدها بعامين قدم رائعته “افراق” التي كانت تحكي تفاصيل أوسع عن حياة هذا الشاب القادم الجديد المسكون بالحب ولوعة العشاق:

 

افراق .. افراق .. على حروة افراق

ليلي ونهاري .. ما ينطاق

وش بيدي .. ما دام هذا اختيارك

فوق خدي .. دمعة تقبل اعتذارك

وبعد قصيدة “افراق” بـ 17 عاماً، ظهر “أبو نايف” – كما يحلو لمحبيه مناداته – في برنامج “كلمة فصل” على قناة “روتانا موسيقى” لينكأ الجروح من جديد ويعيدنا معه إلى قصة الحب الأولى التي مازال وفياً لها رغم تلك السنين، حين طلبت منه المذيعة مقطع من أغنية “ضحية صمت” ذكر بابتسامة تخبئ وجعاً بأن هذه الأغنية تحكي قصة معاناة عاطفية بالنسبة له، وقال: “عندما لحن سليمان الملا “ضحية صمت” حدث أمر سلبي بالنسبة لي، “ما قدرت” أغنيها وعجزت، أول مرة لحن يبكيني، لأنها مرتبطة بأحداث عاطفية”.

جمهور خالد الفنان و”مخاوي الليل” الشاعر يمنّي النفس بأن لا يكون ذلك الحب قد غادر قلب “أبو نايف” لأنه ينعكس إبداعاً على حضوره الفني وبالتالي يأخذهم معه بلا شعور إلى عالمه، فهو عندما يعشق يتجلى، ولا يليق بهذه الجماهير العريضة إلا فنان عاشق يقع في حبائل الحب السرمدي ولا يخرج منها.

خالد عبدالرحمن في حفل فني في الرياض في 2018

في المرة الأولى التي التقيت فيها بصوته عام 1992 في منطقة تبوك، كان أحد الأصدقاء يملك دراجة “سيكل مقاس 16” يزينه بريشتين ملونتين في الخلف وكانت موضة في ذلك الجيل ويضع مسجل ماركة “سوني” صغير يزيد عن حجم كفه قليلاً في المقدمة ويصدح منه صوت خالد عالياً.. “صارحيني.. صارحيني” وعندما سألته من هذا؟ أجابني بعد أن كررت عليه السؤال 3 مرات، مطرب جديد اسمه خالد عبدالرحمن “أحسن واحد” يغني ، ثم مضى وهو يردد :” منهو آنا بدنيتك.. منهو آنا بدنيتك”!

بعد 23 عاماً من هذا الموقف التقيت خالد في مناسبة عامة رأيته محاطاً بالمحبين الذين يريدون من الزمن التوقف عند تلك اللحظة، ولأنه أمر مستحيل فإنهم يوثقونها بفلاشاتهم، تمنيت لو أن صديق الطفولة بينهم، بعد  هذه السنوات عرفت أن هؤلاء المغرمين بخالد وفنه علاقتهم به ليس علاقة فنان بجمهوره بل أبعد من ذلك.. هو حاسة سادسة لمحبيه.. هو “دوبامين” الفرح بالنسبة لهم و”أدرينالين” الخوف عندما يشعرون بالخطر يحدق به، وكيمياء هذا الجمهور غريبة تستحق الدراسة والتوثيق والحب من خالد.

خالد عبدالرحمن 

وبعد كل هذا لا يزال يحوم حول رأسي رأي من عاشق لفن خالد يرتدي “الكوبرا” على طريقته رمى رأيه عليّ قبل سنوات ورحل، يقول: “مشكلة خالد عبدالرحمن أنه لم يعش مرحلة التدرج في الوسط الفني حتى يبلغ القمة، مشكلته الحقيقية تكمن أنه ولد كبيراً وشب عن الطوق مبكراً.. عاش المجد من أقصاه إلى أقصاه، خلّد نفسه ولازال ينتظر اللحظة المناسبة للتنحي”.

وبقي أن نقول من باب الإنصاف لهذا النجم أنه يتفوق على النجوم عبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد ورابح صقر في القدرة على مواجهة الإعلام ولديه أرشيفاً ثرياً بالحوارات واللقاءات بعكس الثلاثي حيث يأمل المحبون الاستماع إلى آرائهم بعيداً عن الغناء لأن لديهم تجارب ثرية تستحق أن تروى.

خالد يطمئن جمهوره على صحته 

  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى